ميقاتي “زعلان” من برّي… ويردّ بالانتخابات البلديّة
يبدو أنّنا أمام تسليم عامّ بإجراء الانتخابات البلدية والاختيارية، ولو على مضض. ويبدو أنّ الجميع سيرضخون للمواعيد التي حدّدها وزير الداخلية بسام المولوي.
لا أحد يجرؤ على إعلان رغبته في تأجيلها. ولا أحد يريد أن يتحمّل مسؤولية قرار كهذا، علماً أنّ المال ليس متوافراً ولا الإمكانيات الاجتماعية والسياسية تسمح بخطوة من هذا النوع.
يقول أحد الظرفاء: “بعد الانتخابات النيابية، بقي في كلّ قرية واحد أو اثنان يتحدّث أحدهما مع الآخر… بعد الانتخابات البلدية والاختيارية لن تجد أحداً صديقاً لأحد في القرى والبلدات”.
الجديد هو أنّ الخلاف السياسي انسحب على الاستحقاق البلدي، فصار لزاماً السير بالانتخابات ولو عن طريق النكايات السياسية.
يصرّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير داخليّته بسام المولوي، كلٌّ لغايته، على إجراء الانتخابات البلدية في مواعيدها. يريد ميقاتي أن يضرب عصفورين بحجر واحد:
1- يجاري الضغط الدولي الملحّ على أن تجري الانتخابات البلدية في موعدها، وهو المتوجّس من فكرة العقوبات التي تتوسّع بقعتها.2- يردّ الصاع صاعين لـ”الثنائي الشيعي” بعدما تركه رئيس مجلس النواب نبيه برّي وحيداً يتلقّى الهجوم بصدره بسبب تأجيل العمل بالتوقيت الصيفي، وهو الذي التزم تعليماته أمام الكاميرات.
خلاف برّي – ميقاتي
منذ عاصفة التوقيت تلك والعلاقة بين رئيسَيْ مجلس النواب والحكومة باردة. وثّقت جلسة الاتفاق على “إرجاء التوقيت” لقاءهما الأخير، ومن بعده “لا حسّ ولا خبر” يجمعهما.
من يعرف ميقاتي عن قرب يدرك أنّ ما حصل ألحق الأذى به. تُرِكَ وحيداً في الواجهة لتلقّي ضربات المنتقدين بينما التزم برّي الصمت. ومنذ ذلك الحين لم يلتقِ الرئيسان.
ليس سهلاً أن يظهر رئيس السلطة التنفيذية، ولو بالشكل، تابعاً لرئيس المجلس، أو ينساق خلف تنفيذ تعليماته. ما يزال الغضب يساور رئيس حكومة تصريف الأعمال، وقد يجد في الانتخابات فرصة لردّ الضربة للثنائي، ولذلك يصرّ على إجراء الانتخابات مع علمه أنّ الثنائي يتمنّى لو يتمّ تأجيلها. ولممثّلهما قال بالعربي المشبرح: “لا تشيّلوني ياها، ما بحملها وحدي.. دبّروها إنتو”.
لا يريد ميقاتي أن يبادر وحكومته إلى إرجاء الانتخابات البلدية وتحمّل مسؤولية مثل هذا القرار أمام المجتمع الدولي. شبح العقوبات الأميركية بعدما طالت الأخوين رحمة يحوم حول أسماء كثيرة، وكثر يخشون ورود أسمائهم في عداد اللوائح التي ستعلَن تباعاً، ومن بينهم ميقاتي نفسه الذي بات على دراية أنّ عودته لرئاسة الحكومة غير واردة، ولذا بات يحاذر في تعاطيه تجنّباً لوقوع العقوبات عليه.الداخليّة جاهزة… وخائفة؟
يوحي وزير الداخلية أنّ تحضيراته الوزارية مكتملة بانتظار تأمين التمويل. رمى الكرة في ملعب رئيس الحكومة الذي رماها بالمقابل في ملعب مجلس النواب طالباً جلسة تشريعية لفتح اعتمادات إضافية. يرفض الوزير اتخاذ قرار بصرف هذه الاعتمادات من صندوق الـSDR أو حقوق السحب الخاصة التي حصل عليها لبنان من صندوق النقد الدولي في أيلول 2021، الذي يضمّ 1.139 مليار دولار، علماً أنّ الحكومة سبق أن صرفت أموالاً من المصدر ذاته على قضايا ملحّة من دون اللجوء إلى مجلس النواب.
منذ حادثة التوقيت المشؤومة تلك لم ينعقد مجلس الوزراء. كان رئيس الحكومة بصدد الدعوة إلى عقد الجلسة، لكنّه تريّث ريثما ينتهي وزير المالية من إعداد الصيغة النهائية لجداول الزيادات المفترضة على رواتب موظفي القطاع العام. ربّما أسعفته هذه الزيادات للطلب من الموظّفين المساهمة في الانتخابات البلدية.
يصرّ ميقاتي والمولوي على إجراء الانتخابات البلدية مع علمه أنّ الثنائي الشيعي، كما غيره من الأحزاب والقوى السياسية، غير مستعدّ لخوض غمارها انطلاقاً من أنّ الظروف غير مؤاتية وثمّة قطاعات أخرى أحقّ بأن تُصرف عليها مبالغ كهذه كدعم البلديات التي تحتاج إلى دعم ومن الأفضل تجنيبها الحساسيّات التي ستنشأ عن انتخابات كهذه.
مجلس بلديّة بيروت للشيعة؟قبل فترة عبّر أحد السياسيين عن خشيته من أن تؤدّي الانتخابات البلدية في العاصمة بيروت إلى “فوز الشيعة بغالبية المقاعد على حساب التمثيل السنّيّ والمسيحي على وجه الخصوص”. فكان ردّ ميقاتي أن لا خوف وأنّ التمثيل المسيحي كما السنّيّ سيكون متوافراً ولو بعدد أقلّ من المقاعد.
كشف أحد وزراء “الثنائي الشيعي” لـ”أساس” أنّ “عقبة التمويل ما تزال قائمة، ويحاول لبنان الاستعانة بالخارج لتأمينه، لكن بلا جدوى. في حين يصرّ رئيس الحكومة على إقرار التمويل في مجلس النواب بينما يمكن أن يقرّ في مجلس الوزراء”. ومن الاقتراحات الاستعانة بأموال جوازات السفر، لكنّ الجهات المعنيّة في الأمن العام قالت إنّ أمراً كهذا يحتاج إلى موافقة وزير الداخلية، على الرغم من أنّ المبالغ المحصّلة قد لا تغطّي قيمة الكلفة المطلوبة، خاصة أنّ رسوم الجوازات تمّ استيفاؤها بالليرة اللبنانية، وهو ما يوجب الاتفاق مع مصرف لبنان لتحويلها إلى دولار أميركي. وطُرح اقتراح آخر في الداخلية يتضمّن تقليص كلفة الانتخابات لتشجيع الدول المانحة على المساعدة.
يقول وزير “الثنائي” إنّ هناك انطباعاً لدى بعض الأحزاب بأنّ إصرار ميقاتي هو نتيجة “التزام بطلب خارجي هدفه استكشاف حجم القوى السياسية بين جمهورها بعد كلّ ما حصل”.
قلّلت مصادر سياسية أخرى من حجم الضغط الدولي من أجل إجراء الانتخابات البلدية، وقالت إنّ الدول تستفسر عبر دبلوماسيّيها، غير أنّها لا تضغط لحصولها، لكنّ رئيس الحكومة مصرّ على التزام مواعيدها الدستورية ولن يعلن تأجيلها ما لم يدخل البرلمان شريكاً في اللعبة… فلن “يحملها وحده كما جرى في التوقيت الصيفي”.
تابعونا عبر واتساب ليصلكم كل جديد