فارس سعيد أن نجاة لبنان من أثار هذه الحرب، التي ستغير وجه الشرق الأوسط

21/11/2024
FB_IMG_1707978869075

ملاحظات سريعة في مواجهة الكارثة
بلال خبيز

يعتقد فارس سعيد أن نجاة لبنان من أثار هذه الحرب، التي ستغير وجه الشرق الأوسط، مرهون بإصرار أهله ومكوناته على تمتين فكرة العيش المشترك وإحيائها. فارس سعيد بين سياسيي البلد ومقدميه يبدو اليوم واحدا من قلة نادرة تعي ما نحن مقبلون عليه. المخاطر اليوم تتجاوز حدود الذين يتعرضون للقتل والتهجير المباشر إلى كل اللبنانيين، حتى المهاجرين منهم. ذلك أن الأعباء التي ستتركها هذه الحرب ستجعل من لبنان أشبه ما يكون بدار عجزة، يقوم اقتصادها بمجمله على المساعدات التي تأتي من الخارج، ومساهمات المهاجرين في إبقاء أهلهم على قيد الحياة.
لكن هذه المعضلة قد تكون أقل المعضلات خطرا على مستقبل البلد. فالمغامرات المجنونة جعلتنا نخسر كل نقاط قوتنا وكل ما يمكننا البناء عليه. الحرب الأهلية المستمرة منذ نحو خمسين عاما، أو يزيد، نزعت كل أعصاب مناعة البلد ومكوناته كلها. وأدت إلى انهيار امتياز لبنان بوصفه دولة تجمع طوائف وفئات مختلفة المنابت والمعتقدات، في منطقة يغلب عليها التجانس وفي علاقة مع غرب يغلب عليه التجانس أيضا. هذا الاضمحلال أصاب دور الموارنة والمسيحيين عموما، والدروز أيضا، وأصاب دور السنة في ما بعد، وها هو يضرب عميقا وقاسيا في الدور الذي قرر المهيمنون على دور الشيعة أن يتبنوه. كل نظرية المقاومة القادرة على الحماية ذهبت قبض ريح، لكن الأخطر من ذهاب هذه المقاومة المدعية الحماية يكمن في أن دور المقاومة الأخرى بات مهددا حقا وفعلا. إذ كان يمكن للبنان أن يقرر مساهمته في هذا الصراع المتمادي مع المشروع الإسرائيلي، على صورة أشبه بدور غسان أبو ستة بدلا من تبني دور السنوار. لكن السكر بأسباب القوة وقصر النظر السياسي والتقني والاقتصادي والاجتماعي جعلنا اليوم أقرب ما نكون إلى من يحتاج كل رعاية من أي نوع، مكشوفين على كل أنواع الأخطار من دون أي حماية من أي نوع.
إنما فلنعد إلى ما ينتظرنا، وما يمكننا أن نساهم فيه. تقوم فكرة فارس سعيد على افتراض أن اضطرارنا إلى معاقرة العيش المشترك قد يؤدي إلى بقاء لبنان كحاجة وفكرة ودور. لكن هذه الفكرة تبدو غير مستندة إلى موازين قوى تسندها. إذ ليس ثمة ما يمنع أي كان اليوم من التساؤل المحق والداهم: هل العالم والمحيط يريد المحافظة علينا، صيغة واجتماعا ودورا لأننا مجتمعات نادرة وعلى وشك الانقراض؟ إذا كان الأمر كذلك وهذا الأرجح، في هذه المرحلة، فإن مستقبل هذه البلاد سيضل محشورا في خانة سياسات منظمات المجتمع المدني والأونروا. ذلك أنه يفترض أن دور العالم حيالنا يتلخص بالمحافظة على النوع من الانقراض. أما إذا كنا نريد أن نكون ضروريين لهذا العالم، وألا نكون مجرد عجزة ينبغي إعالتهم، فربما يجدر بنا أن نجترح أفكارا وصيغا تجعلنا قادرين على تقديم أمثلة ناجعة لحل مشكلات قد يواجهها أي بلد في العالم.
ما يبعث على هذا التشاؤم أن هذا العيش المشترك، الذي هو مهم وضروري وقد يكون نقطة قوتنا الوحيدة، سبب حروبا أهلية متمادية. كل مرة شعرت فئة أو جماعة أو طائفة بقدرتها على الاستقواء بالخارج لفرض أجندتها وفكرتها على المكونات الأخرى لم تتردد في إحراق البلد. وتاليا فإن تاريخ العيش المشترك يبدو اليوم تاريخ إخفاقات. وأحسب أن المشكلة لا تكمن في الفكرة بقدر ما تكمن في القوانين والأعراف.
اليوم وبعد حرب مستمرة لأكثر من نصف قرن، يجدر بنا ربما أن ننزع سلطة مقدمي الطوائف والجماعات عن أهل هذه الجماعات. وتسليمها إلى مقدمي الطوائف والمذاهب والجماعات الأخرى. إذ ما الذي يمنع أن نقر قانونا انتخابيا مثلا، يمنع على الشيعة أن ينتخبوا مرشحي الشيعة، ونحصر عملية انتخابهم بناخبي الطوائف الأخرى، وأن نمنع ناخبي السنة من انتخاب المرشحين السنة أيضا ونحصر العملية بأبناء الطوائف الأخرى أيضا. وما الذي يمنع أن نقيم وضعا خاصا لمدننا الكبرى التي تجر الاقتصاد الوطني خلف قاطرتها وأن نضع لها قوانين انتخابية خاصة بها، لا تسمح بهيمنة فئة أو طائفة أو حزب على قرارها السياسي. ربما في هذه الحال، يجد المرشح الشيعي نفسه مجبرا على مخاطبة مصالح الطوائف الأخرى، مثلما يجد المرشح الماروني نفسه مجبرا على مخاطبة مصالح الطوائف الأخرى. وبناء عليه لن تتجرأ كتلة نيابية أن تقرر حربا أو سلما بمعزل عن مصالح أهل المناطق التي قد تكون معرضة للمخاطر جراء مثل هذه القرارات، مثلما لن تتجرأ كتلة أخرى أن تقرر ربط مصير البلد بخطة اقتصادية أو سياسية أو عسكرية بناء على أهوائها الطائفية والمذهبية.
مع ذلك ليس ثمة في ما تقدم ما يمكن اعتباره حلولا ناجعة وجاهزة. ما تقدم يحاول القول إن اللبنانيين جميعا مدعوون اليوم، وبإلحاح، لمحاولة إنقاذ بلدهم، لئلا تذروه الرياح. وكل فكرة في هذا السياق يجب أن يرحب بها وتناقش إلى أن نكتشف حقا ما تتضمنه من حسنات وما تخفيه من سيئات.

بلال خبيز


Latest posts



About us

Leverage agile frameworks to provide a robust synopsis for high level overviews. Iterative approaches to corporate strategy foster collaborative thinking to further the overall value proposition. Organically grow the holistic world view of disruptive innovation via workplace diversity and empowerment.


CONTACT US

CALL US ANYTIME