المرأة بين القوانين المجحفة والواقع الأليم
دايانا ج. عزيز
قد يسهو عن بال البعض ان المرأة هي أم ، هي أخت وإبنة ، اذ نحن نعيش في زمنٍ من المعيب فيه المطالبة بالمساواة والانصاف بين الرجل والمرأة وعلى أبسط الحقوق ، فالنساء في يومنا ترفّعنَ عن التمسّك بدور الضحية وأصبحن يكافحن ويناضلن في مجتمعٍ واقعُهُ يقيّدهنَّ بحبال الذكورية ، وما زالت المرأة رغم كل النضالات والمناشدات مهمشة في مجتمعها وعملها وأسرتها وما زالت تعتبر بنظر القانون في مكانٍ معين كمواطنة درجة ثانية وأبسط مثال على ذلك هو منع المرأة اللبنانية من إعطاء جنسيتها لأولادها لأسبابٍ سياسية وجغرافية وغيرها من الأسباب الواهية التي لا تمت الى المنطق والإنسانية بصلة ، فأبشع أنواع العنف بحقّها هو الذي يمارس باسم القانون الذي من المفترض ان ينظر الى المرأة كإنسان ذي حقوق وواجبات قبل ان يهمّ بالتصنيف والتكييف الغوغائي .
نص الدستور اللبناني في المادة السابعة منه على مبدأ المساواة بين اللبنانيين ، كما وقد ورد في مقدمته ان لبنان عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة ويلتزم الإعلان العالمي لحقوق الانسان ويعمل على احترامها ، اما الإعلان العالمي لحقوق الانسان نص صراحةً في ديباجته على المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق .
في عام ١٩٩٦ صادق لبنان على الاتفاقية الدولية لمناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة ، فعمل المشرع قدر المستطاع على تعديل القوانين وتصحيح الأخطاء والهفوات غير المقصودة ومسيرته في ذلك بدأت قبل المصادقة على الاتفاقية المذكورة حيث كرّس سنة ١٩٩٤ حق المرأة المتزوجة في ممارسة التجارة من دون اذن الزوج والقيام في كل الأعمال التي تتصل بمشروعها التجاري ، وذلك بغية تعزيز دورها في العجلة الاقتصادية .
في تعديل هام طرأ على قانون الانتخابات البلدية ، فقد أقر مجلس النواب اللبناني في العام ٢٠١٧ حق المرأة المتزوجة بالترشّح للإنتخابات في قريتها الأم او قرية الزوج ، اذ من المعلوم أن قيد المرأة ينتقل حكماً الى مسقط رأس زوجها عند تسجيل الزواج .
هذا الحق الذي أقرّه القانون يعزّز دور المرأة في العمل التنموي خاصة وان العمل في الشأن العام يفترض العلم بمشاكل الناس وحاجاتهم ، وكما يقول الفيلسوف الألماني نيتشه ” حيث أنت إنقب بعمق ” لذلك جاء هذا التعديل ليحفظ للمرأة المتزوجة الحق في المشاركة في أخذ القرار في قريتها الأم بغض النظر عن مكان قيدها ، وفي هذا السياق فقد تم إسقاط عضوية امرأة منتخبة في أحد المجالس البلدية ، قبل التعديل المذكور ، باسم القانون لأنها تزوجت ولا تتمتع بحق الخيار بنقل قيدها أو الإبقاء عليه .
عززت الأعراف التقليدية والدينية نظريّة تبعية المرأة الاقتصادية لزوجها اذ كانت مقوننة من خلال ما كان معروفاً بالقرينة الموسيانية في نظام الإفلاس التي الغيت في العام ٢٠١٩ ، ومفادها ان كل مال تحرزه الزوجة في فترة زواجها مقابل بدل هو مستحصل عليه من مال الزوج وكل ايفاء تقوم به زوجة الشخص المفلس يعتبر وكأنه من مال زوجها اذا لم يتم اثبات العكس ، هذا المبدأ كان يشكّل تمييزاً فاضحاً خاصة وانه كان يقر ضمنياً بمبدأ وحدة الذمة المالية بين الزوجين في حين ان المبدأ الساري في لبنان هو مبدأ فصل الذمة المالية بين الزوجين والذي كانت السوابق القضائية تقر به خاصة في طلب المعونة القضائية Principe de separation de biens .
ولا زالت المرأة تعاني من نظرية التبعية الاقتصادية في المحاكم الروحية والمذهبية حيث لا رقابة حكومية في ظل غياب قانون مدني يرعى الأحوال الشخصية ويوحّد الطوائف التي تفردت كل منها بوضع قانونها ونظام المحاكمة لديها .
ولم يقتصر التمييز على ذلك انما أيضاً على حق المرأة في تأديب أولادها فقبل عام ٢٠١٤ لم يكن القانون يبرّر للأمهات الأفعال التي تشكّل تأديب غير عنفي الى ان تعدّلت المادة ١٨٦ عقوبات وفقاً للقانون ٢٨٦ تاريخ ٣٠ / ٤ / ٢٠١٤ وأدرك المشرّع الهفوة الصارخة واضافة عبارة ” والامهات ” على الفقرة الأولى .
نلاحظ أن المرأة تتساوى حتى انها تتقدّم على الرجل في المراكز والوظائف التي تتطلّب مباراة كالسلك القضائي والدبلوماسي مثلاً مع العلم انه حتى يومنا هذا لا نرى سوى آنسات في السلك الدبلوماسي كون ذلك ممنوع على اللبنانيات المتزوجات وذلك وفقاً للفقرة الأخيرة من المادة ١٢ من مشروع القانون الصادر بالمرسوم رقم ١٣٠٦ تاريخ ١٨/٦/١٩٧١ ( نظام وزارة الخارجيّة والمغتربين وتحديد ملاكاتها العدديّة )، ونتعجب لماذا هذا التمييز علماً ان لبنان كان السباق في الوطن العربي في ظهور المرأة في العمل الدبلوماسي عندما كان هنالك تعيين وليس مباراة ، فأول قنصل تم تعيينه للبنان في الولايات المتحدة سنة ١٩٤٥ كانت الآنسة انجل الخوري اما أول سفيرة كانت الآنسة سميرة ضاهر التي عينت في اليابان .
من هنا نرفض الكوتا النسائية في المجالس البلدية والنيابية لأن المرأة قادرة ان تتفوق على الرجال خاصة وان شخصيتها اصلاحية ومن الصعب جداً ان تقبل او تتقبّل الفساد ، الا اننا ورغم هذا الرفض نحن بحاجة الى هذه الكوتا على اعتبارها نوعاً من التمييز الايجابي لمرحلة انتقالية جديدة ليس شكاً بقدرات المرأة الذهنية انما لتعويض المجتمع وانصاف المرأة ، فالمرأة اللبنانية غالباً ما تواجه بمفردها الصراعات السياسية الدموية وتدفع ثمن ذلك من كرامتها وكرامة أسرتها ، ناهيك عن الأساليب الملتوية والقوة المالية التي غالباً لا تتمتع المرأة بها كونها شخصية رصينة وقانونية .
ونلاحظ أيضاً هذا التهميش والمنافسة السلبية بين النساء اذ غالباً ما تنحاز المرأة للرجل الذي يصوَّر لها على أنه الأمان والثقة ، فينطبق هنا المثل القائل ” لكل شيء آفة من جنسه حتى الحديد سطا عليه المبردُ ” ، جل ما في الأمر ان المجتمع اللبناني ما زال يرفض الدور الريادي للمرأة في السياسة وتقلّدها المراكز القيادية بسبب الثقافة البطريركية التي تربى عليها في ان الرجل رأس المرأة .
في النهاية المرأة هي نصف المجتمع شأنها شأن الرجل ، لذلك نأمل من المشرّع اللبناني ان يعمل على إزالة ومحو كافة الموروثات التمييزية التي صيغت مواداً قانونية ، على أمل أن تتوّج مساعي المجتمع المدني والناشطين في مجال حقوق الإنسان في إقرار قوانين تعزّز دور المرأة في صنع القرار على الصعيد البلدي والوطني بشكل عام تماشياً مع الاتفاقيات الدولية التي وقعها لبنان والتي بحسب الاجتهاد المستمر للمجلس الدستوري تتفوق على القوانين والقرارات الداخلية وتصب ضمن الكتلة الدستورية اللبنانية .