الطوائف وقوانينها الرادحة !
بقلم : دايانا ج. عزيز
غالباً ما نحتاج مناسبة لنندّد بالمبادئ والقواعد الاجتماعية الظالمة والمجحفة التي تضع النساء بمرتبة دونية عن الرجل .
منذ عقدين ونيف من الزمن أجسرت النساء في لبنان على ثورتهن الممزوجة بالغضب الشديد وكأنهن قَرِمْنَ الحرية دون سابق إنذار ، فاشرأبّت الأعناقُ رفضاً للذل والخضوع ، بعضهن كنَّ مجندات في سبيل شعارات معينة تنادين بالمساواة دون الغوص في جذور المشكلة .
نحن النساء لا نعمد الى قلب الموازين منتهجات سياسة التسوّل والتوسّل بحثاً عن الحقوق ، بل هدفنا إرساء مبدأ المساواة قولاً وفعلاً ، في الحقوق والواجبات ، بعيداً عن الشعارات الواهية .
يبدأ الإصلاح بتغيير النمطية الفكرية الذكورية والعقائد البالية والثقافات المهيمنة المهَمِّشة كالثقافة البطريركية مثلاً التي يكون بمفهومها الرجل رأس المرأة . فالاصلاح يشمل الطرفين ، الرجل والمرأة ، كما انه ليس بالأمر السهل لأن البشر بغض النظر عن أجناسهم يدافعون لا شعورياً وبشراسة مبالغ بها أحياناً ، عن الثقافات التي تشرَّبوها منذ الصغر دون التفكير بمدى صحتها .
في لبنان تتفرّد الطوائف بتنظيم الأحوال الشخصية للناس ، فلكل طائفة أحكامها وقوانينها التي تتقدّم أحياناً على قوانين الدولة فتنزع صفة المواطن عن الأفراد لتجعلهم ” رعايا طوائف ” .
لم ينتهِ الأمر عند هذا الحد لا بل لطالما كان لرجال الدين تأثيراً على المشرّع اللبناني وخير مثال هو الغاء المادة ٥٢٢ من قانون العقوبات وإعادة احيائها في المادة ٥.٥ من القانون عينه فأعفي بذلك المجرم الذي يجامع قاصراً اتم الخامسة عشرة من عمره من العقاب في حال الزواج الصحيح ، بالإضافة الى صدور قانون العنف الأسري رقم ٢٩٣/٢٠١٤ دون تجريم الاغتصاب الزوجي .
حقوقيون ومجتمع مدني طالبوا بإقرار قانون مدني موحّد للأحوال الشخصية يلغي الطائفية المجتمعية تمهيداً لإلغاء الطائفية السياسية ، الا ان الدولة الغارقة في مستنقعات الفساد بعيدة كل البعد عن تحقيق هذا المطلب المحق رغم ان بعض نواب الأمة قد أبدوا تجاوباً مع وجوب إقرار هكذا قانون ، خاصة وان الزواج المدني المعقود في الخارج معترف به في لبنان وبالتالي فانه ينتج مفاعيله القانونية وعند الخلاف يحكم القاضي اللبناني باسم الشعب اللبناني مرتكزاً على القانون الأجنبي .
واستثناءً في لبنان وبحسب المادة ٧٩ أ.م.م. تراعى احكام القوانين المتعلقة باختصاص المحاكم الشرعية والدرزية اذا كان الزوجين في عقد الزواج المدني من الطوائف المحمدية وأحدهما على الأقل لبناني .
بحسب الكنيسة الكاثوليكية ، الزواج سر من أسرار الكنيسة السبعة وهو الديمومة والوحدة والتناسل ، وبذلك يختلف عن مفهوم الزواج لدى الطوائف الإسلامية الذي هو عرض وقبول ودخول . وكان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قد أكد في تصريح له انه مع قانون مدني موحد للأحوال الشخصية شرط أن يكون الزامياً ، ونحن من هذا الرأي خاصة ان القانون لا يجب ان يكون اختيارياً ، إضافةً الى ان هذا القانون تحديداً سيعمل على إزالة كافة الفروقات والعوائق بين المواطنين دون أي شرط او قيد او عرقلة ومنها مانع الإرث بسبب اختلاف الدين . الى ان يصدر هكذا قانون تبقى قوانين الطوائف غير خاضعة لرقابة الحكومة خاصة وان المراجع الإسلامية رفضت هكذا رقابة خلافاً لما ذهبت اليه المراجع المسيحية ، وتستمد هذه القوانين قوتها من نظام الطوائف الدينية الذي وضعه دي مارتيل بموجب القرار ٦٠ ل.ر. عام ١٩٣٦ والمعمول به لغاية اليوم والذي نص على ان ” الاعتراف الشرعي بطائفة ذات نظام شخصي يكون مفعوله إعطاء النص المحدد به نظامها قوة القانون ووضع هذا النظام وتطبيقه تحت حماية القانون ومراقبة السلطة العمومية .” هذا القرار لم يجعل الانتماء الطائفي الزامياً وبالتالي يحق لأي فرد ان يقرر الطائفة التي يرغب الانتماء اليها او يقرر عدم الانتماء الى أية طائفة .
لكل طائفة محكمتها التي تطبق قوانينها الخاصة ، فقضاء الطوائف المسيحية يتبع المرجعية الدينية المسيحية ادارياً ومالياً ، اما القضاء الشرعي السني والجعفري والعلوي والدرزي رغم الارتباط الإداري والمالي بالدولة الا انه يتمتع بهامش واسع من الاستقلالية دون أي رقابة ملائمة من قبل هيئات الدولة القضائية .
هذه المحاكم على اختلافها تقوم بممارسات تمييزية بحق المرأة من خلال الأحكام المجحفة التي تصدرها خاصة وان حيازة الاجازة في القانون ليست شرطاً وبالتالي فإن عدم خبرة القضاة في الالتزامات الحقوقية الدولية ناهيك عن استبعاد العنصر النسائي في هيئاتها القضائية ، ما عدا هيئات محاكم الطائفتين الانجيلية والأرمنية الاورثوذكسية ، أدى الى تباين في أحكامها واجحاف بحق المرأة والأولاد .
عام ١٩٩٦ انضم لبنان الى اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة المعروفة بإتفاقية ” سيداو ” بموجب القانون رقم ٥٧٢ تاريخ ٢٤/٧/ ١٩٩٦ أي بعد ١٧ عاماً على انبلاجها في أروقة الأمم المتحدة .
كغيره من الدول العربية ، أبدى لبنان بعض التحفظات على الاتفاقية تحديداً في البند “٢” من المادة ٩ المتعلقة بمنح المرأة جنسيتها لأولادها ، الفقرات “ج” “د” “و” “ز” من البند “١” من المادة ١٦ التي تتعلق بالمساواة بالحقوق والواجبات اثناء قيام الرابطة الزوجية وعند فسخها ، والبند “١” من المادة ٢٩ التي تعطي صلاحية تطبيق الاتفاقية لمحكمة العدل الدولية .
وقد أتت المادة ١٦ من الاتفاقية كالتالي :
١ – تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقة الأسرية، وبوجه خاص
تضمن، على أساس تساوي الرجل والمرأة :
(أ) نفس الحق في عقد الزواج ؛
(ب) نفس الحق في حرية اختيار الزوج، وفي عدم عقد الزواج إلا برضاها الحر الكامل ؛
(ج) نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه ؛
(د) نفس الحقوق والمسؤوليات بوصفهما أبوين، بغض النظر عن حالتهما الزوجية، في الأمور المتعلقة بأطفالهما وفي جميع الأحوال، يكون لمصلحة الأطفال الاعتبار الأول ؛
(هـ) نفس الحقوق في أن تقرر، بحرية وإدراك للنتائج، عدد أطفالها والفاصل بين الطفل والذي يليه، وفي الحصول على المعلومات والتثقيف والوسائل الكفيلة بتمكينها من ممارسة هذه الحقوق ؛
(و) نفس الحقوق والمسؤوليات فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم ، او ما شابه ذلك من الأنظمة المؤسسية الاجتماعية ، حين توجد هذه المفاهيم في التشريع الوطني ؛ وفي جميع الأحوال تكون مصالح الأطفال هي الراجحة ؛
(ز) نفس الحقوق الشخصية للزوج والزوجة، بما في ذلك الحق في اختيار اسم الأسرة والمهنة ونوع العمل ؛
(ح) نفس الحقوق لكلا الزوجين في ما يتعلق بملكية وحيازة الممتلكات والإشراف عليها وإدارتها والتمتع بها والتصرف فيها، سواء بلا مقابل أو مقابل عوض .
٢ – لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أثر قانوني، وتتخذ جميع الإجراءات الضرورية ، بما فيها التشريع، لتحديد سن أدنى للزواج ولجعل تسجيل الزواج في سجل رسمي أمرا إلزاميا .
اما أبرز الأحكام الدينية التي تتعارض مع المادة ١٦ من الاتفاقية فهي :
١ – تعدد الزوجات أو La polygamie
لقد حلل الشرع الإسلامي أربع زوجات للرجل الا أننا نفهم من سورة النساء ” ولنْ تستطيعوا ان تَعدِلوا بين النساءِ وان حَرِصْتُم ” الاكتفاء بزوجة واحدة كنوع من الارضاء لله تعالى لأن الانسان مهما امتلك وفعل فلن يوفّق ويعدل بين زوجاته وسيبقى هنالك تفاوت في الحب والشهوات والواجبات . وبما ان الزواج لدى الطوائف المحمدية هو عقد يمكن للزوجة ان تشترط على زوجها عدم الزواج بثانية ، وبعض الدول العربية قد وضعت قيوداً على تعدد الزوجات ، ونذكر أيضاً في السياق المذهب الدرزي الذي منع تعدد الزوجات .
٢ – سلطة الولي في زواج الابنة :
بعض الطوائف تشترط موافقة الأب عند الزواج وان كانت الفتاة راشدة فتعامل وكأنها ناقصة أهلية على عكس الرجل . ان موافقة القاصر، على الرغم من موافقة ولي أمرها على الزواج ، لا يجب الاخذ بها ، فتزويج القاصرات جريمة بحق الطفولة ولا بد من صدور تشريع يجرم هكذا فعل خاصة وان التجارب العملية أثبتت حجم المخاطر النفسية والجسدية التي تتعرض لها القاصر جراء الزواج المبكر .
ولا يغيب عن بالنا ايضاً موضوع الشهادة فغالباً ما تكون الشهادة للرجال او مقابل كل رجل امرأتين ، الا ان الواقع العملي الحالي يثبت تحولاً في هذا المسار .
٣ – المهر وواجب الطاعة :
ان المهر واجب على الزوج تجاه زوجته وهو شرطاً لصحة الزواج لدى الطوائف المحمدية والمهر مبلغاً من المال ، منقول او غير منقول ، يدفعه الرجل لقاء زواجه ومساكنة الزوجة ويوفي قسماً منه قبل الدخول بها ويسمى المهر المعجل ، اما القسم الآخر يستحق عند وفاة الرجل او انهاء العلاقة الزوجية على مسؤوليته ويسمى المهر المؤجل .
يقابل هذا الموجب واجب الطاعة فاذا هجرت المرأة منزل زوجها او منعت نفسها عنه يمكنه إقامة دعوى طاعة طالباً عودتها والا تعتبر ناشزاً بحكم القانون اذا لم تعتبر المحكمة أسبابها شرعية .
قد تحرم المرأة في هذه الحالة من حضانة أطفالها كما وتحرم تلقائياً من النفقة .
٤ – الطلاق بإرادة منفردة :
يختلف شكل الطلاق من طائفة لأخرى لدى الطوائف المحمدية الا ان الرجل في جميع الأحوال يمكن ان يعيد زوجته اليه ورغماً عنها من دون عقد جديد او مهر في الطلاق الرجعي قبل انقضاء فترة العدة ( ثلاثة أشهر ) وهذا بذاته عنف تجاه المرأة .
والطلاق يكون اما رجعياً او بائناً بينونة صغرى ( عندما يطلق الرجل زوجته طلاق رجعي وتنقضي عدتها ولارجاعها وجب عقد ومهر جديدين) او بائناً بينونة كبرى ( أي عندما يطلق الرجل زوجته بالثلاثة فلا يمكن ارجاعها الا بزواجها من شخص آخر ودخوله بها وطلاقها ثم انقضاء فترة عدتها وهنا فان أغلب الطوائف حديثاً تحتسب الثلاث طلقات طلقة واحدة في حال كانت متتالية ) .
يمكن للمرأة بحسب قوانين الأحوال الشخصية السنية ان تشترط عند القران وضع العصمة في يدها والعصمة هي حق تطليق نفسها بنفسِها ، وتفوض بذلك عند الطائفة الشيعية .
من المهم جداً ان نذكر أيضاً ان المرأة في بعض الأحيان لا يمكن ان تطلب التفريق ، وذلك عند الطائفتين السنية والدرزية لأن الطائفة الشيعية لا تعترف بالتفريق انما يطبق لديها الطلاق الحاكم في حالة الهجر او العنف وسوء المعاملة او الامتناع عن دفع النفقة ، لعلة العنف لأن تعنيف الزوجة قد يعتبر حقاً للزوج تحت مسمى ” حق التأديب ” .
٥ – النفقة لدى الطوائف المسيحية والإسلامية :
النفقة واجبة على الزوج خلال الزواج تجاه زوجته كنوع من الدعم لها ، وهي تجوز للمرأة المطلقة طلاقاً رجعياً او طلاقاً بائناً اذا كانت حامل ، اما لدى الطوائف المسيحية يمكن للمرأة المطالبة بها في حال الهجر وتكون غير واجبة على الزوج عند الحكم بالبطلان او الفسخ او الطلاق .
قد يعتبر البعض ان النفقة حق مكتسب للزوجة تجاه زوجها الا انها في الحقيقة فهي تضع المرأة بمرتبة دونية مقارنةً مع الرجل وتعزز تبعيتها له ، وبحسب حقوقيين فعلى المساواة ان تكون في الواجبات كما الحقوق وبالتالي تحرر المرأة من سلطة الرجل الاقتصادية والبحث عن الاستقلال المالي .
٦ – الحضانة :
تختلف سن الحضانة لدى الطوائف الإسلامية والمسيحية وفيما بينها رغم ان بعض الطوائف قد رفعت هذه السن الا انه لا بد من توحيدها والأخذ بمصلحة الطفل ، كما ان بعض الطوائف بدأت تأخذ بمبدأ تعاون الوالدين على تربية الأولاد والانفاق عليهم .
حتى ولو كانت الحضانة للأم فان السلطة الأبوية التي يمارسها الرجل تشكل نوعاً من العنف المعنوي ضد المرأة اذ لا يمكن للمرأة ان تقرر تفاصيل حياة ولدها دون موافقة الولي الجبري أي الوالد فلا يمكنها مثلاً ان تسجله بمدرسة دون موافقته ولا يمكنها ان تدعي باسم ابنها او تتقدم بأي معاملة رسمية باسمه دون توقيع الولي الجبري ، كما انه في حال قام الوالد بتغيير ديانته تتغير حكماً ديانة الأولاد القاصرين وهذا الأمر يعيدنا الى مبدأ السائد في العصور الوسطى ” الناس على دين ملوكهم ” ، فمختلف قوانين الطوائف ما عدا الأرمن الأرثوذكس كرست الولاية للاب كما وتنتقل الى الذكور في العائلة في حالة وفاة الأب وأحيانا الى القاضي الذي يمكن ان يعيّن الوالدة وصية على ولدها ضمن شروط معينة .
٧ – الحق في الإرث :
على عكس الطوائف المسيحية ، فقد اجتمعت الطوائف الإسلامية على ان للذكر مثل حظ الأنثيين وهذا ما يشكل تمييزاً فاضحاً بحق المرأة الى جانب الكثير والكثير من الأحكام والقوانين المجحفة التي لن نغوص بتفنيدها انما نأمل ان نكون قد قدمنا شرحاً كافياً ووافياً مظهرين عيوب القوانين الدينية التي تحتاج ” نفضة ” جديدة لتتلاءم مع التطور الفكري والاجتماعي للبشر .